مايسترو البصره صاحب الموقع
عدد المساهمات : 260 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/11/2010 العمر : 31 الموقع : الاردن _ عمان
| موضوع: العرق والتاريخ (عرض عام) الإثنين فبراير 07, 2011 3:29 pm | |
| العرق والتاريخ (عرض عام) كتبهـا : Ali Hashem - بتــاريخ : 9/4/2009 2:40:09 AM, التعليقــات : 0 · تقديم :
يلخص هذا العرض أهم طروحات الأنثروبولوجي الفرنسي "كلود ليفي ستروس" (Claude Levi Strauss) ، كما نظمها في كتابه "العرق والتاريخ" (1) ، ويستهدف أساساً تقديم الكتاب ، ثم تأسيس محاورات نقدية على طروحاته ، معتمداً على أساسين :
- الأول : ضرورة النقد للإنتقال إلى فهم أعمق ، وتراكم معرفي ، يسهّل الوصول إلى الحلول ، والتي ما تلبث أن تحتاج إلى النقد أيضاً ، كي لا تتحول إلى أطر تسجننا ضمنها ، إذ علينا أن نلتزم دوماً وأبداً بالحرية العقلانية ، والإنفتاح الذهني المتوقد والدائم .
- أما الثاني : فهو اطلاعي على الأنثروبولوجيا كتخصص ونهج ، حتى أضحى يصعب الفصل بين الإنسان والأنثروبولوجي ، ألم يحاول بعضهم ترجمة مصطلح الأنثروبولوجي بالإناسي ؟! إن الفكرة التي أحاول ذكرها هي ، أن الأنثروبولوجيا أضحت بالنسبة لي أكثر من تخصص ، فهو نمط حياتي ، وأسلوب يؤسس دوماً لوجهة نظر "مختلفة" ...
· الملخص :
فيما يلي ، تلخيص لفصول الكتاب ، بالتتابع ، مع العناوين التي وضعها "سـتروس" لها :
I. العرق والثقافة :
لا شيء علمي يسمح بتأكيد التفوق أو الدونية الثقافية لعرق من الأعراق ، وعندما نتحدث عن مسـاهمة الأعراق البشـرية في الحضارة ، فإننا لا نريد القول أن المسـاهمات الثقافية لـ’’آسيا ، أوروبا ، أو أفريقيا‘‘ تتسم بخصوصية معينة ، وإذا كانت هذه الخصوصية موجودة فإنها تعود لظروف جغرافية ، تاريخية ، واجتماعية ، وليس نتيجة لقابليات متميزة متصلة بالتكوين التشريحي أو الفيزيولوجي . إن التنوع الثقافي إذن ، ليس متصلاً بأية علاقة سببية بالتنوع الموجود على الصعيد البيولوجي بين بعض الجوانب المنظورة للتجمعات البشرية .
II. تنوع الثقافات :
إن تنوع الثقافات الإنسانية هو في الواقع أكبر بكثير وأغنى من كل ما نحن مهيأون لمعرفته على الإطلاق . وتقدم لنا دراسة اللغة أمثلة واضحة على هذا . كما يجب ألا يدعونا [هذا التنوع] إلى النظر بشكل مجزأ للثقافات الإنسانية ، فهو نتيجة للعلاقات التي تجمع ما بين الجماعات أكثر مما هو بفعل انعزالها عن بعضها البعض . فالمجتمعات البشرية ليست أبداً وحيدة ، وعندما تبدو في أقصى درجات الإنفصال ، فإن ذلك يأخذ أيضاً شكل الكتل أو المجموعات (تجمعات الأمريكيين الأصليين في القارة الأمريكية كمثال) .
III. النزعة العرقية (المركزية الإثنية) :
إن الموقف الأكثر قدماً ، يتمثل في الرفض الكامل للأشكال الثقافية (بمعناها الواسع) البعيدة كل البعد عن القيم التي نعتنقها . إننا نرفض القبول بواقعة تنوع الثقافة نفسها ، ونفضل أن نرمي خارج الثقافة (أي خارج الحالة الإنسانية) كل ما لا يتوافق مع القواعد التي نعيش في ظلها . [من هنا مصطلحات مثل : بربري ، وحشي ، بدائي] .
IV. الثقافات القديمة والثقافات البدائية :
إن كل مجتمع من وجهة نظره الخاصة ، يمكنه تصنيف الثقافات إلى ثلاثة أنواع هي : الثقافات المعاصرة له ولكن الموجودة في مكان آخر ، والثقافات التي ظهرت في المكان نفسه لكنها سابقة في الزمان ، وأخيراً الثقافات التي وجدت على السواء في زمان سابق وفي مكان مختلف . وهذه المجموعات الثلاثة معروفة بدرجات متفاوتة . إن المجتمعات البشرية استعملت بدرجة متفاوتة أحد تاريخين : تاريخ اكتسابي يكدس الإكتشافات والإختراعات ليبني حضارة عظيمة ؛ وتاريخ آخر ، ربما كان بالحيوية ذاتها وواضعاً قيد العمل طاقات مماثلة ، ولكن تنقصه موهبة التركيب التي يتميز بها الأول ، وكل تجديد ، بدل أن يأتي ليضاف إلى تجديدات سابقة ، يذوب فيها .
V. فكرة التقدم :
ليس من السهولة الإعتقاد بتنظيم مظاهر التقدم في سلسلة منتظمة ومتلاحقة ، فالتقدم
لا يحصل عبر قفزات أو تحولات فجائية ، وهي لا تعني أبداً الذهاب إلى أبعد في الإتجاه ذاته ، فهي تترافق بتغيرات في الإتجاه أيضاً [يمكن تشبيه الأمر بمثال حصان الشطرنج] .
VI. التاريخ الساكن والتاريخ التجميعي :
إننا نعتبر كل ثقافة تتطور في اتجاه مواز لثقافتنا ، ثقافة تجميعية ، أي تلك التي يكون تطورها بالنسبة لنا ذات معنى . في حين تبدو لنا سائر الثقافات سكونية ، ليس بالضرورة لأنها كذلك ، ولكن لأن خط تطورها لا يعني شيئاً بالنسبة لنا . إن تاريخية ثقافة هي هكذا نتيجة الوضع الذي نوجد فيه بالنسبة لها ، ونتيجة عدد وتنوع مصالحنا المرهونة عليها ، وليس نتيجة خصائص ذاتية . وإلى حد بعيد يفسَّر التمييز بين ’’الثقافات التي تتحرك‘‘ و’’الثقافات التي لا تتحرك‘‘ ، بذات الفرق الذي يجعل مسافراً في قطار يرى القطارات الأخرى متحركة أو ساكنة . لذا علينا في كل مرة ، نكون مضطرين لوصف ثقافة إنسانية بأنها سكونية ، أن نتساءل عما إذا كان هذا الجمود الظاهر ليس ناتجاً عن الجهل الذي نحن فيه بالنسبة لمنافعها الحقيقية ، بوعي أو بلاوعي ، وإذا لم تكن هذه الثقافة ذات المعايير المختلفة ، ضحية الوهم نفسه ، فيما يتعلق بنا . وبكلام آخر ، نبدو الواحد للآخر مجردين من أية منفعة ، وذلك فقط لأننا لا نتشابه .
VII. مكانة الحضارة الغربية :
إن الحضارة الغربية تتجه ، منذ قرن ونصف ، إلى الإنتشار في العالم ، وإن محاولة الثقافات الأخرى في الحفاظ على شيء من إرثها التقليدي ، غير ناجحة ، إذ أن التحولات العميقة التي تتم ، ستقضي عليها .
VIII. الصدفة والحضارة :
إن الإنسان مدين في التعرف على النار لصدفة الصاعقة ، واختراع الفخار نتج عن نسيان كتلة من الطين قريباً من النار . إن مثل هذه النظرة الساذجة ، تنتج عن جهل كامل لتعقيد وتنوع العمليات المتعلقة بالتقنيات الأكثر بساطة . إن كل جيل يحتاج لكي يتقدم إلى إضافة إدخار ثابت إلى رأس المال الموروث من الأجيال السابقة ، إننا مدينون لهم إذن بتسعة أعشار ثروتنا وربما أكثر . فمن المؤكد إذن أن أية حقبة وأية ثقافة ليست سكونية بشكل مطلق . إن كل تاريخ هو تجميعي إذن ، مع تمايز في الدرجة . لقد حل الفيلسوف الإنكليزي هيوم (David Hume] (1776 - 1711] المشكلة المغلوطة التي يطرحها كثير من الناس عندما يتساءلون "لماذا ليست كل النساء جميلات ، باستثناء قلة قليلة منهن ؟" ، إذ لم يلاق أي عناء في البرهنة على أن السؤال ليس له أي معنى ، فإذا كانت كل النساء على الأقل في مثل جمال الأجمل بينهن ، سنراهن عاديات ، وسنحتفظ بوصفنا للقلة القليلة التي تتجاوز النموذج العام . وكذلك ، عندما نهتم بنمط معين من التقدم نحتفظ بالتقدير للثقافات التي تحققه في أعلى مستوى ، ونبقى غير مبالين أمام الثقافات الأخرى ، وهكذا فإن التقدم ليس أبداً إلا الحد الأقصى من التقدم في اتجاه معد سلفاً بناءً لذوق كل واحد منا .
IX. تعاون الثقافات :
لقد توصلت الثقافات لتحقيق أشكال التاريخ الأكثر تجميعية ، هذه الأشكال لم تكن أبداً عمل ثقافات منعزلة ، ولكنه عمل ثقافات كثيرة ، جمعت (إرادياً أو لاإرادياً) أدوارها الخاصة ، عبر وسائل متنوعة . إن التاريخ التجميعي ليس حكراً على بعض الأعراق أو بعض الثقافات ، إنه نتاج سلوكها وليس طبيعتها . إنه يعبر عن نمط وجود معين للثقافات ليس سوى طريقة وجودها مجتمعة ، فالحضارة العالمية ، لا يمكن أن تكون شيئاً آخراً غير تحالف للثقافات التي تحتفظ كل واحدة منها بخصوصيتها .
X. الإتجاه المزدوج للتقدم :
إن كل تقدم ثقافي هو نتيجة للتآلف بين الثقافات ، ويكون أكثر خصوبة بقدر ما يتم بين ثقافات أكثر تنوعاً ، إذ على الناس أن يتعاونوا لكي يتقدموا . إن الإنسانية هي دائماً أسيرة عمليتين متناقضتين : تنـزع إحداهما إلى إقامة التوحيد ، في حين تهدف الأخرى إلى الحفاظ على التنوع أو إلى إعادته . إن التسامح ليس موقفاً تأملياً موزعاً الغفران عما كان ، وعما هو قائم ، إنه موقف حيوي يقضي بالتوقع والفهم والتشجيع لما سيكون أيضاً . إن تنوع الثقافات الإنسـانية ، وراءنا وحولنا وأمامنا ، والطلب الملح الوحيد الذي نستطيع أن ندعو إليه هو أن يتحقق هذا التنوع بأشكال يكون كل واحد منها مساهمة سخية ضمن سخاء الأخرى .
· المحاورة النقدية :
1. من المدهش لأنثروبولوجي كـ"ستروس" ، الذي ينادي بالنسبية الثقافية ، ويتجنب الأحكام القيمية ، والمنبهر أمام ثقافة الأمريكيين الأصليين ، أن يتجاهل الدور الذي قامت به الحضارة العربية - الإسلامية ، في التعديل والإضافة والنقل لمجرى الثقافة/الحضارة العالمية العام ، إذ يعتبرها مجرد وسيط سلبي ما بين الإغريق والهنود ، وعصر النهضة الأوروبي !! وهذا يظهر أن فكرة الأنوية الغربية والنزعة الإثنية المركزية التي يدّعي تجاوزها ، ما زالت جزءاً أساسياً من بنيته الذهنية ، ومن إطار الثقافة العام الذي نشأ فيه .
2. تتجه الحضارة الغربية إلى الإنتشار في العالم ، وأي محاولة للثقافات الأخرى في الحفاظ على شيء من إرثها التقليدي ، ستكون غير ناجحة . تحمل هذه العبارة ، الأسس الأولى للمدرسة التطورية ، في تمهيدها وتأطيرها للمساعي الإستعمارية . ولا يختلف "ستروس" عنها في شيء ، فلا داعي لمقاومة التغير الحاصل ، إذ أن الحضارة الغربية ستنتشر ، والأفضل الإنطلاق نحوها ومعها ، إذ أن الجمود والحفاظ على التراث ، أمر عقيم غير مجدٍ . ونقد هذه الأطروحة يتمثل في كون التبدل والتغير أسساً ثابتة ومطلقة ، مما يشير ضمناً ، إلى تبدل واقع الحضارة الغربية إلى آخر ، تبعاً لعوامل عديدة . فالمطلق هو التغير ، وليس ثبات الغرب في مركزه . لذا ليس مجدٍ فقط ، بل من الضروري والواجب ، الحفاظ على التراث .
· تعليق ختامي :
في الكلام عن "ستروس" ، أجد نفسي مبهوراً ، كونه أنثروبولوجي مميز ، وباعتباري بمحاورته أقف على أولى درجات الهرم "النقدي" ...
إن الإنتقال من هذه الحالة ، حالة الإنبهار ، إلى حالة العلم ، أمر صعب ... ولا أدعي أنني نجحت ...
إن ما ابتغيته حقاً ، ليس إظهار البراعة النقدية ، لكن التجرأ عليها فقط ، إذ بذلك ، تقع كل الطروحات تحت خانة الشك المنهجي ، والنقد العقلاني ، فيتيسر عندها إنتاج المعرفة .
إذن ، ومجدداً ، إن كل ما ذكرته (من تلخيص ، أو نقد) لا ينتج عنه تشكيل فكر نقدي عند القارئ ، لا يساوي شيئاً ...
كل كلامي هنا ، لا بد أن يكون جزءاً من متصل أكبر ، يطال التشكيل المعرفي للقارئ ، ويؤسّس لإعلاء حس الشك النقدي تجاه حياته وظواهرها وأنساقها ...
لا حياء في العلم ، ولا علم دون شكوك ونقد ، إذ بدونهما ، لا فرق بيننا وبين غيرنا من المخلوقات ...
أخيراً ، إن ما يجب أن يكون أسطورتنا الجديدة ، هو "الإنسان حيوان نقدي" ، وليس مجرد "حيوان إجتماعي" !
· الهوامش :
(1) كلود ليفي ستروس ، (1988) ، العرق والتاريخ ، ترجمة : سليم حداد ، بيروت ، مجد ، ط 2 . | |
|